صحابة الرسول وتابعوه..يعيشون في البهنسا





علاء الدين ظاهر:
في عام «22 هجرية» كانت مدينة البهنسا بالمنيا علي موعد مع حدث أضاف إلي تاريخها جانبا مضيئا ومدعاة للفخر والتباهي حينما أرسل القائد«عمرو بن العاص» جيشا بقيادة «قيس بن الحارث» لفتح الصعيد حيث كانت الحامية الرومانية التي تحكم البهنسا حينها قوية وعندما وصل إلي أسوار المدينة كانت عالية ومنيعة،ودارت المعركة بينها وبين جيش المسلمين مما أدي إلي سقوط عدد كبير من الشهداء المسلمين الذين إستبسلوا مع قائدهم،وهو ما جعل للبهنسا خصوصية بإحتوائها علي عدد كبير من قباب وأضرحة هؤلاء الصحابة والتابعين الذين دفنوا فيها

هي واحدة من أشهر المدن الأثرية في مصر،جغرافيا تقع على بعد 16 كيلو متر من غرب بني مزار وتاريخيا تحتوي على آثار من مختلف العصور التي مرت علي مصر ما بين الفرعونية والرومانية والإسلامية حتى العصر الحديث ويفتخر أهلها بإحتضان أرضها لأجساد بعض صحابة رسول الله"محمد" بل وبعض من حضروا غزوة بدر معه
جولتنا بدأت في البهنسا غربا حيث تقع مدافن المسلمين التي تحتوي علي الجزء الأكبر من قباب وأضرحة الصحابة والتابعين و الشخصيات الدينية والعلماء الذين زاروها في أوقات سابقة، بعضها مسجل ضمن الآثار الإسلامية وموضوعة أمامه لوحة تعريفية تؤكد ذلك والبعض الأخر لا
من أبرز الشخصيات الإسلامية التي تبدو قبابها واضحة «خولة بنت الأزور» وهي إحدي الصحابيات كانت مثالاً للتضحية والفداء ويروي عنها في ذلك أنها أنقذت أخاها «ضرار بن الأزور» من الأسر وهناك قبة «محمد بن عقبة بن نافع» التي تحتوي بداخلها علي 7 شواهد قبور مكتوب فوق إحدها «هذا مقام سيدي الأمير محمد عقبة بن نافع والسبعين شهيدًا»، بالإضافة إلي أسماء الله الحسني،و قبه «زياد بن أبي سفيان» الذي ينتهي نسبه للرسول صلي الله عليه وسلم ووالده سفيان بن الحارث عبدالمطلب أخو رسول الله«صلي الله عليه وسلم» في الرضاعة
ليس هؤلاء فقط,فهناك «محمد بن أبي ذر الغفاري» و«السيدة رقية» التي كتب علي ضريحها من الخارج «مقام السيدة رقية» من صحابة رسول الله صلي الله عليه وسلبم ولا تخطئ العين بابه الذي كتب أعلاه عبارة «باب السلام» وضريح«الحسن الصالح بن زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب» الذي له أيضا مسجدا يحمل إسمه وقبة «حسن بن يحيي البصري» و«أولاد عقيل بن أبي طالب» و"عبيدة بن عبادة بن الصامت" و«أبان بن عثمان بن عفان» و«محمد بن أبي بكر الصديق» و«سوادة» و«عبدالغني بن سمرة»،و"أبو سلمة الثقفي"و"مالك بن الحرث"و"أبو سراقة الجهني"و"عبيدة بن عبادة بن الصامت"و"جعفر بن عقيل بن ابي طالب"وشقيقه"علي بن عقيل بن ابي طالب"
أما ضريح السبع بنات يعد حكاية بمفرده خاصة أنه يوجد في مكان منفصل ويبعد قليلا عن مقابر المسلمين التي توجد بها أضرحة الصحابة,وهذا الضريح تدور حوله أساطير وحكايات كثيرة مضمونها أنه مدفون به 7 بنات من أهالي البهنسا كانوا يعيشون فيها أثناء الفتح الإسلامي,
البنات السبع كانوا مثل غيرهم يعانون من ظلم الحامية الرومانية ووجدوا ضالتهن في الجيش الإسلامي ينقذهم من ذلك,فتلثمن في زي أسود كفرسان شجعان وساعدنه في معركته ضد الرومان الذين إكتشفوا حقيقتهن فأعدمهن وصرن بعدها رمز التضحية والفداء
ليس هذا فقط,بل إن النساء والبنات هناك بتن يتخذنها ملجأ للتبرك ونيل المطالب لمن حارت دون إجابة,من ترغب في الزواج أو الإنجاب أو غير ذلك,ويفعلن في سبيل ذلك طقوس وعادات أقرب ما تكون للخرافات مثل الدحرجة علي الرمال أمام الضريح والشرب والإغتسال من البئر المجاور له وعادة ما يكون ذلك يوم الجمعة من كل أسبوع
الجولة لم تنته عند هؤلاء فقط ,لأن التكريم الذي حظت به لم يقف عند حدود الصحابة والتابعين فقط,فهناك عدد من الفقهاء والشخصيات التي شرفت بإحتضان أجسادهم بأرضها,منهم«علي الجمام» أحد فقهاء وأئمة البهنسا حيث كان يعمل قاضيا بها أثناء الفتح الإسلامي، وبجوار المدافن يقع مسجده و حجرة صغيرة بها ضريحه الذي يشهد زيارات كثيرة طلبًا للبركة
واحدة من مفاجأت جولتنا في البهنسا كانت في مسجد"علي الجمام" حيث تقع داخل نطاقه شجرة قد تعتقد للوهلة الأولي أنها عادية وإن كانت تلفت النظر بحجمها الضخم ووضعها الغريب,والمفاجأة أنها"شجرة مريم" التي إستظلت بها السيدة مريم العذراءهي والمسيح «عليه السلام» أثناء مرورهما بالبهنسا وتعد من أهم وأبرز المزارات ليس في البهنسا فقط بل في المنيا كلها ولها مكانة كبيرة في نفوس الجميع هناك مسلمين ومسيحيين لا فرق في ذلك بينهم جميعا
وهناك أيضا«عبد الله التكروري» وهو أمير مغربي يقال أنه من سميت علي إسمه منطقة"بولاق الدكرور" بعد مروره بها أثناء زيارته لمصر حيث تحول إسم"التكروري"مع الوقت إلي"الدكروري"وصار"دكرور",قبته داخلها قبر من الرخام الأبيض عليه نص"هذا مشهد الشيخ الصالح عبد الله التكرور"
كل هذا التاريخ الرائع إختلطت فيه الحقائق بالخيال والحكايات الشعبية ما نتج عنه وجود عدد من الأضرحة يقال أنها لا تحوي أجساد أصحابها وأقامها الأهالي هناك تبركا وتقديرا لهم وهو ما قد تضيع معه حقائق كثيرة ما لم تتم دراسته وتوثيقه وتسجيله بطريقه علمية ولائقة تحفظه من الضياع ,ناهيك عن أن تلك القباب والأضرخة تمثل كنزا ثمينا لم نحسن إستغلاله بعد ولو فعلنا سيحدث قورة ورواجا سياحيا للمكان قد لا تفلح مقومات كثيرة في تحقيقه
المثير أنه لا توجد أية مراجع واضحة ومحددة تتحدث عن هذا الجانب المشرف من تاريخ البهنسا, إلا كتاب صادر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب عام 2005 تحت عنوان"آثار وفنون مدينة البهنسا في العصر الإسلامي"مؤلفه"د. أحمد عبدالقوي" أثري له باع طويل في العمل بالآثار الإسلامية في بني سويف والمنيا
يقول"د- أحمد" أن البهنسا تعتبر من أهم مدن مصر وكانت ذات مكانة مهمة في العصر الإسلامي ,دل علي ذلك الكثير من الأثار القائمة من جوامع ومساجد وقباب ووكالات وحمامات,كما أنها كانت مركزا هاما لصناعة الخزف والفخار والمنسوجات ولاقت إهتماما كبيرا من مؤرخي العصر الإسلامي ,وقد تولدت لدي رغبة كبيرة لعمل مؤلف عن أثارها وفنونها في ذلك العصر إذ لا يتوفر عنها عمل يتفق مع مكانتها ,وإتبعت الدراسة الميدانية من وصف للأثار القائمة هناك ومعرفة أماكنها من المعمرين وكبار السن نظرا لندرة الكتابات عن تلك الأثار
ويوضح أن الجيش الإسلامي الذي فتح البهنسا إستبسل أمام حاميتها الرومانية المنيعة مما نتج عنه إستشهاد عدد كبير من جنوده من صحابة وتابعي الرسول عليه السلام وهو ما يفسر كثرة عدد القباب الموجودة علي أرضها وتنسب لشهداء الصحابة مثل محمد بن عقبة وعقبة بن عامر الجهني وزياد بن أبي سفيان وغيرهم الكثيرين,كما أنها كانت مزارا لكثير من الأمراء والعلماء مثل عبداللله التكرور والنواوي وغيرهما وأوصي البعض بدفنهم بالبهنسا بجوار مقابر الشهداء مثل محمد بك الألفي وأحمد بك الأعسر,وقد زارها الشيخ عبد الحليم محمود شيخ الأزهر وقد خلع نعليه تكريما لأرضها
رصد"د- أحمد" في كتابه أغلب القباب والأضرحة والمساجد الأثرية في البهنسا موثقا لها بمعلومات تفصيلية وهندسية عن بنائها والطرز المعمارية المستخدمة في ذلك وبيان ما إذا كانت تحوي بالفعل أجساد أصحابها أم أن الأهالي أقاموها بالمكان تبركا وتقديرا لهم خاصة أن الحقائق والمعلومات التاريخية المتعلقة بأصحاب بعض القباب إختلطت بالروايات الشعبية مما نتج عنه نسب بعض القباب لغير أصحابها وانتشرت حكايات كثيرة عن كراماتهم وشفائهم للأمراض وتلبية طلبات المحتاجين
الكلام السابق يثير مخاوف كثيرة من فقدان تلك القباب والأضرحة قيمتها التاريخية والأثرية وحاجتها الماسة إلي مشروع متكامل للترميم والتوثيق وتنسيق موقعها بما يتناسب مع وقوعها وسط مدافن ,كذلك تسويق جيد للمكان تشارك فيه كل الجهات المعنية إنطلاقا من وجود تلك القباب فيه بما يضمن رواجًا وإنتشارا سياحيا لن تقتصر عوائده علي البهنسا فقط بقدر ما ستمتد إلي محافظة المنيا كلها ,وحابي من جانبها تطلق هذه الدعوة للقيام بذلك حتي لا يأتي وقت نتحسر فيه علي أننا أضعنا من أيدينا كنزا ثمينا لا يقدر بمال

تعليقات