حكاية قرية تستبدل عظام موتاها بصابون غسيل!!!!


هذ التحقيق قمت به أنا وزميلي أحمد عبد العظيم منذ حوالي 3سنوات وقامت"شبكة فكرتنا الإخباريةwww.fikretna.com"مشكورة بإعادة نشره وأقدمه للقراء كما رصدناه علي أرض الواقع في بني سويف

لا تتوقف محاولات التعدي علي أراضي أملاك الدولة تحت أي دعاوي و بأي مبرر بغض النظر عن كون هذا التعدي تم بطريقة مشروعة أم لا,الا أن الكارثة تتمثل في أن يحتدم صراع بين المواطنين للتعدي و امتلاك أراضي مقابر و نبش القبور و بيع عظام و جماجم الأجداد للاستيلاء علي الأرض ,خاصة أن المصريين معروفون باحترامهم القبور الي حد التقديس أحيانا, فما الذي حدث؟

هذه الكارثة شهدتها قرية "هرم ميدوم"التابعة لمركز الواسطي بمحافظة بني سويف حيث تجرد عدد من المواطنين من مشاعرهم و اعتدوا علي المقابر و انتهكوا حرمة الموتي و باعو عظام وجماجم أجدادهم..و شهدت القرية صراعات عنيفة بين العائلات للحصول علي أكبر مساحة ممكنة من الجبل أو من المدافن الملاصقة للقرية

يتطلب الوصول الي القرية عبور طريق ترابي بمسافة 2 كيلو متر أو المخاطرة بركوب سيارة نصف نقل مكشوفة ,منازل القرية متهالكةو شوارعها خاوية الأن,أطفال يبدو عليهم الهزال و عدد من السيدات بملابس سوداء و القليل من الرجال بجلباب و عمامة ووجه جاف

أهالي القرية تفحصونا باستغراب شديد و حذر و كلما حاولنا الاستفسار عن الصراع علي المقابر لا نجد سوي الريبة و الحذر وهكذا استمر الوضع لأكثر من ساعتين حتي قابلنا الحاج"حلمي أمين" أحد أهالي القرية و يقيم في القاهرة ويذهب علي فترات متباعدة لزيارة أهله و قد بدأ كلامه بحذر من خطورة التطرق لموضوع المقابر و مع اصرارنا شرح لنا التفاصيل بهدوء قائلا:قبل أربعة أعوام كانت القرية تعيش في هدوء تحسدها عليه القري المجاورة و لم يكن بها مشاحنات و لا عداوات حتي بدأ زحف الاهالي نحو الجبل المجاور للقرية حيث توجد المدافن بالقرب من الهرم الاثري "هرم ميدوم" بسبب زيادة عدد الاسكان الي 50 ألف نسمة و عدم جواز البناء علي الاراضي الزراعية
>الصراعات المسلحة
لم يجد الاهالي أمامهم الا البناء علي المقابر تضم عظام أجدادهم من قديم الزمن والتي يوجد بينها مقابر أثرية خاصة أن المنطقة قريبة من مناطق الاثار .. و بدا الزحف العشوائي للحصول علي أكبر مساحة من الارض وبدأ البناء ليصل عدد البيوت بالمنطقة لأكثر من 700منزل تم بناؤها بالطوب الجيري الكبير

وبدأت القرية تعرف طريق الصراعات منها المسلحة,و ظهرت القبليات و العداءات بين العائلات و تكون البداية بالتعدي علي حرمة الموتي من أجل البناء علي أرض الجبل بعد التخلص من الجثث المدفونة و بقايا العظام و الجماجم سواء بالقائها في الجبل أو تعبئتها في أجولة و بيعها لنجار الروبابيكيا الذين يشترون كيلو العظم من الاهالي مقابل قطعة صابون غسيل .. و هناك عدد من المجرمين تخصصوا في نبش القبور ليلا و بيع الجثث لطلاب الطب.

و أضاف الحاج حلمي :أن صعود الاهالي للبناء علي المقابر أوجد عددا من تجار و مهربي الاثار والذين يتخفون في بعض المنازل و يتعاملون مع الاهالي للسماح لهم بالنبش في المقابر الموجودة أسفل منازلهم بعيدا عن الاعين و منذ عامين شهدت القرية حادث تهريب تمثال أثري ذهبي وألقي القبض علي المتهم أثناء خروجه من القرية.

لم يقتصر علي بناء المنازل و لكن اتجهت بعض عائلات القرية الي الجبل وأزالوا المدافن ليحولوها الي محاجر للرمل و الزلط واعدادها للزراعة و كل ذلك بنظام وضع اليد ..و يقوم الاهالي ببيع الارض بعد ذلك ليصضل سعر القيراط الواحد الي 20 ألف جنيه و هو ما زاد من الصراعات التي أضاعت الروابط الاجتماعية بين العائلات و بين أفراد العائلة الواحدة واعتاد الاهالي علي سماع اصوات الاسلحة النارية كل يوم بسبب المشكلات الناتجة عن مثل هذه الصراعات التي نتج عنها استقطاع نحو 500 فدان من اراضي الجبل و امتد الزحف ليصل الي المناطق الاثرية الموجودة و ازالة أكثر من عشرة الاف مقبرة .. تناثرت الجثث و العظام في الجبل دون أي اعتبارات لأن الصراعات علي الارض أكبر من كل شئ.
>الصعود الي الجبل
طلبنا من الحاج حلمي أن نصعد الي الجبل فكرر تحذيره لنا بخطورة ذلك .. ولكنه وافق أمام اصرارنا و أحضر لنا سيارة نصف نقل اعتادت الصعود لأهالي الجبل ورافقنا شخص موثوق به عند مكان الجبل و قد طلب هذا الشخص الذي رفض ذكر اسمه من أربعة من أقاربه مرافقتنا مع نصحنا بعدم الافصاح عن هويتنا لأي شخص خاصة أن احدي موظفات الاثار و التي حضرت المنطقة قبل أسبوع تعرضت للضرب من قبل الاهالي خوفا من أن تطردهم من بيوتهم .

وبدأت رحلة الرعب و الصعودبعد ما عبرنا الطريق الاسفلتي الذي يقسم القرية الي جزأين وفي طريق غير ممهد كانت السيارة تسير ,بدت المنازل متراصة بعدد طوابق لا يزيد عن اثنين وكانت أعين الاهالي تراقبنا بشدة خاصة أن وجوهنا غير مألوفة لهم,تجولت بنا السيارة بين المنازل ولاحظنا عدم وجود أي مشروعات خدمية وأغلب المنازل دون كهرباء و بلا صرف صحي .

فجأة همس أحد الشباب لنا قائلا ان الفرصة الان سانحة للترجل في المنطقة خاصة أن معظم الاهالي متجمعون الان حول حملة روتينية للازالة وأضاف انه بمجرد الانتهاء من الازالة يقوم الاهالي باعادة بناء ما تهدم مرة أخري .
>عظام و جماجم بشرية
عملية بناء المنازل تتم بعد هدم المقابر وازالة ما بها و الكارثة أنك تشاهد جثثا ملقاة علي الرمال و كميات كبيرة من العظام و الجماجم البشرية المعبأة داخل أجولة بلاستيكية حتي أن الاطفال يعبثون بها كأنها دمي و يستغل الاهالي أراضي المقابر اما في اقامة منازل أو بناء حظائر للمواشي.
الغريب أن الاهالي هناك لا يجدون اي مشكلة في ذلك و يتعاملون بمنطق أنهم أحق بمقابر أجدادهم و المثل الشائع بينهم ان"الحي أبقي من الميت"..و الأمر لايقتصر فقط علي المدافن القديمة و لكن الممقابر التي تستقبل الجثث بشكل يومي تلقي نفس المصير حتي أن أحد الاهالي الذي دفن ابنته الصغيرة قبل اسبوعين عاد بعد يوم واحد من دفنها فلم يجدها وبحث عن جثة ابنته وجدها في احدي المناطق البعيدة بالجبل وسط عشرات من الجثث الاخري !
>انعدام الخدمات
راشد عبدالله-احد سكان المنطقة تكلم بصعوبة قائلا حضرت للسكن في الجبل و بناء بيت علي مقبرة أجدادي بعد ما ضاقت بي الحياة داخل القرية و لم يعد منزلي القديم يسع أولادي ..و كان علينا تجريف القبر و استخراج ما به من عظام و جثث مثلما يفعل الناس و قد بادلنا العظام و الجماجم بصابون غسيل و قبل شهرين قمت بتمهيد قطعة أرض خلف المنزل وزرعتها بعد الاستعانة بماكينات رفع المياه من الترع و المصارف وأضاف نشتري مستلزماتنا من داخل القرية لعدم و جود محلات هنا أما التيار الكهربائي فيتم سرقته من أسلاك المسجد الوحيد الموجود في المنطقة .وبالطبع لا يوجد شبكات صرف صحي و نستبدل ذلك بحفر "طرنشات" أو بيارات أسفل المنازل أو تحويل أي مقبرة الي بئر لقضاء حاجاتنا ,وهناك عدد من الاهالي يشترون الاراضي من العائلات المسيطرة علي المنطقة التي تستغل بعض الاراضي لانشاء المحاجر أو في الزراعة وقد وصل سعر القيراط الواحد الي 20 ألف جنيه مقابل أن يضمن صاحب الارض للمشتري الحماية و عدم ازالة المباني أو الزراعات .

وأشار الي أن حرمة المقابر تراث أصبح من الماضي بعد أن سكن الاهالي المنطقة و بعد ما اعتادوا علي رؤية الجثث و هناك بعض السكان ينبشون ليلا أسفل المقابر بحثا عن الكنوز الاثرية و منذ أيام وجدنا مومياء لطفل داخل مقبرة مفتوحة باعها صاحب المنزل لأحد الغرباء عن القرية.
>انتشار الامراض
أكملنا جولتنا في المنطقة و المقابر تحاصرنا من كل اتجاه وبجوار المنازل وفي الطريق قابلنا أحد كبار السن (عم مرسي) نائما علي كوم زلط حيث يحرص علي التواجد في هذا المكان باستمرار لحراسة قبر ابيه واجداده من نبش الاهالي الذين أصيب بعضهم بلعنات الموتي كما قال عم مرسي ورغم هذا فالنبش لا يتوقف و علي سبيا المثال أصيب شاب أثناء انتشاله جثة كانت مدفونة بجوار منزله بكسر مضاعف في احدي يديه و آخر مسه الجنون.

بجوار حفرة كبيرة ممتلئة بالجثث العائمة في بركة من مياه الصرف الصحي ..تحدثنا مع "شعبان"الذي أوضح لنا طبيعة ما يفعل قائلا:هذه الحفرة هي مقبرة عائلتي وهي ممتلئة بمياه الصرف الصحي بعد أن سكن الاهالي بجوارها وقد حاولت منذ شهرين ردم آبار الصرف الصحي فتصدي لي الاهالي بالأسلحةالنارية و طردوني من المكان وفي نفس الوقت هم لا يسمحون لي ببناء مقابر اضافية داخل المقبرة حتي عندما أردت البناء في مكان آخر منعني عن ذلك مسئولو الاثار ..ولا أعرف الي أين نذهب بموتانا حتي خطباء المساجد الذين يجرمون ذلك لا ينصت اليهم أحد.

توجهنا في رحلة العودة من الجبل الي الوحدة الصحية حيث قابلنا الدكتور "كامل عبد الرحمن"الطبيب المسئول حيث قال أن دور الوحدة يقتصر علي الرصد و الابلاغ لأننا لسنا جهة تنفيذية و كل ما علينا ان نقوم بتوعية المواطنين بخطورة ما يقومون به و المشكلة ان الوحدة الصحية لا تمتلك الخرائط التي توضح حدود المقابر و المساكن ومع ذلك فالاهالي يرفضون أي نصيحة ويشتبكون معنا ويرفضون تنفيذ أي قرارات ..و المشكلة في الزيادة المستمرة لأعداد السكان ..وحذر من أن المنطقة المقامة أعلي المقابر معرضة لانتشار الامراض نتيجة البكتيريا التي تنتشر من الجثث المكشوفة.
>المحاضر و الازالات
"رياض محمد"مفتش الأثار بالمنطقة أكد أن قرب المقابر من الهرم الاثري"ميدوم-هرم الملك سنفرو"يجعلها محط اهتمام الاثريين خاصة اننا اكتشفنا عددا من المقابر في الاماكن المحيطة بالهرم و لذلك فمن المحتمل ان تكون هناك اثار اشفل المنازل التي تم بناؤها علي أنقاض المقابر و نحن بدورنا نذهب للتنقيب و المعاينات ..ولكن الاهالي يسمحون لنا بصعوبة وقد يصل الامر الي حد الاشتباك معنا محاولين تعطيلنا عن العمل .

أشارت "أمال فرج"كبير مفتشي الاثار في محافظة بني سويف الي أنه خلال الاسبوع الماضي فقط تم تحرير 14 محضر تعديات حيث تعتبر الاربعة كيلو مترات المحيطة بالهرم تابعة للاثار و غير مسموح بالبناء عليها وهناك خرائط تدل علي ذلك
وأضافت أن هيئة الاثار اتفقت مع المحافظة علي و ادارة أملاك الدولة علي تخصيص 37فدانا بعيدة عن المنطقة للبناء عليها و نقل السكان اليها وانشاع مقابر بديلة.

ويشير "محمد أبو فهمي"عضو مجلس محلي قرية هرم ميدوم الي انه تم تحرير 21محضراضد أصحاب المنازل المقامة علي المقابر و مؤخرا بدأت المحافظة و مجلس المدينة بالتعامل بجدية مع محاضر الازالة وبدأت حملات الازالة في العمل وتكمن المشكلة في سيطرة أصحاب النفوذ الذين يقومون لابناء علي المقابر ليلا ولا يهتمون بالمحاضر أو قرارات الازالة ..أما عن سرقة التيار الكهربائي فدائما ولكن يتم قطع التيار دوريا وان السكان لا يكفون عن محاولات سرقة التيار و يتفننون في هذا الامر

تعليقات