في" قراموص"الشرقية..البردي لا زال حيا يزرع

زارها / علاء الدين ظاهر:
أهرامات ومسلات,توابيت ومومياوات,تماثيل ولوحات,منجزات كثيرة خلفتها لنا الحضارة الفرعونية لتبقي شاهدة علي عظمتها,لكنها ليست وحدها كذلك فهناك منجز أخر لا يقل أهمية عن ما سبق ,بل يعد مرآة نقلت لنا بما كتب عليها صورة متكاملة عن حياة الفراعنة والمصري القديم بكل مفرداتها ومشتملاتها..إنه ورق البردي
كعادتهم في أشياء كثيرة كان الفراعنة أصحاب السبق في التاريخ في اختراع أول أداة يمكن الكتابة عليها وتداولها بسهولة وهي "ورق البردي"الذي أصبح بعد أن قاموا بالرسم عليه بجانب الكتابة فنا يعكس جمال وعظمة حضارتهم.وبات سجلا دونوا فيه تفاصيل حياتهم اليومية ,وإن كان لا يعرف تحديدا التاريخ الذي بدأت فيه صناعته ورق البردي,فإن علماء الآثار يرجحون ذلك في أوائل القرن 30 ق.م
ظل البردي قرونا وسنين يستعمله الفراعنة في الكتابة والرسم بجانب استخدامات أخري كصناعة المراكب و الحصير و السلال و الصناديق,والسؤال الذي يثور هنا:هل انتهت زراعة وتصنيع البردي بانتهاء الفراعنة؟الإجابة لا,وإذا لم تصدق ذلك فما عليك إلا أن تذهب إلي قرية"قراموص" التابعة لمركز أبو كبير بالشرقية,فهي القرية الوحيدة في مصر, إن لم تكن في العالم, التي تزرع بأكملها وتصنع نبات البرديوذهبت هناك وقضيت يوما لأتعرف علي هذه الحقيقة الباقية حتي الآن منذ ألاف السنوات
في الطريق إلي القرية لن تخطئ عيناك المساحات الشاسعة المزروعة بنبات البردي وكأنها لا تعرف زراعة غيره,الحاج"وجيه عبد الحميد"واحد من كبار مزارعي البردي هناك,يقول أن هذا المشروع مربح ماديا وإن كان مرتبطا في رواجه بالسياحة صعودا وهبوطا,وأفضل مواسم زراعته صيفا يزرع حيث يحتاج لكميات وفيرة وكبيرة من المياه وفجر مفاجأة مضمونها أنه يزرع مرة واحدة لتحصده وترويه فقط بالماء لينمو مرة أخري وتستمر هكذا ما بين 7 و10 سنوات حتي تحتاج لزراعته من جديد
بعد الحصاد تأتي مرحلة التصنيع ,يقول :نقوم بتقطيعه إلي أعواد مختلفة الأطوال من خلال موتور صغير ثم يقطع كل عود إلي شرائح تغمر في ماء مملوء بالبوتاس لفترة طويلة,بعد ذلك تغسل بماء مضاف إليه كلور لتنظيفها من الشوائب العالقة بها لترص فوق بعضها حسب المقاس والحجم علي ألواح الكارتون والأقمشة لامتصاص الماء منها وتوضع لفترة في الشمس حتي لا تلتصق مع بعضها لأنها توضع أسفل مكبس يقوم بضغطها لتتكون نتيجة لذلك ورقة واحدة متماسكة بعد أن تجف تمامًا من الماء.
إلي هنا يمكن البدء في عملية البيع ويتراوح سعر الورقة الواحدة ما بين 50 و100 قرش,إلا أن الرسم عليها يرفع سعرها ليتراوح ما بين 150 إلي 300 قرش أو أكثر حسب الحجم والمقاس,والرسومات عادة ما تكون مناظر ومشاهد مستوحاة من الحضارة الفرعونية ربما لأنها الأنسب لطبيعتها كون البردي واحد من أهم وأبرز منجزات تلك الحضارة,كما أنها تلقي إعجاب السائحين الأجانب الذين يقبلون علي شرائها نتيجة لولعهم وهوسهم بحضارة المصري القديم التي أذهلت العالم كله
المفاجأة التي كشف عنها عدد من أهالي القرية أن هذه الميزة التي تحوزها كونها الوحيدة علي مستوي العالم تزرع وتصنع البردي وتفردها في ذلك,ليست منذ القدم أو سنوات طويلة بل إن ذلك جاء عن طريق الصدفة البحتة منذ أعوام تتجاوز و لا تقل عن الثلاثين
اذهب إلي القرية واسأل أي من سكانها:كيف عرفتم الطريق إلي البردي؟ستجد الجميع يعرف ولا يمل من تكرار الحكاية لكل من يسأل,في عام‏1976‏كانت علي موعد مع السعادة كما يحبون أن يقولون عندما كان أحد أبنائها ويدعي" أنس مصطفي ويعمل "فنانا تشكيليا بالقاهرة في زيارة للقرية وجرب زراعة البردي في منزله بعد أن تعرف عليه من أحد زملائه
في البداية كان هدفه من ذلك لا يتعد التجربة والزينة بعد أن أعجبه شكله,لكنه فوجئ بمن يطلب شرائه كونه سلعة مطلوبة ومرغوبة في السوق السياحي وقرر التوسع في زراعته وتصنيعه خاصة أن شتلاته غير مكلفة ويمكن بجنيهات قليلة زراعة عدد كبير من الأفدنة وبمرور الوقت بدأ هوس البردي يجتاح القرية حتي باتت بأكملها تقريبا تعمل فيه واتخذته مصدر رزق لها
قرية مثل قراموص لا بد أن يعرفها القاصي والداني ولم لا وهي حاضنة لتراث الأجداد زراعة وصناعة,لكنك ستفاجأ بأنها ليست معروفة بالقدر الكافي حتي أن أهالي وسكان القري المجاورة لها مثل هربيط لا يعرفونها ويجدون صعوبة في وصف الطريق إليها
هل يمكن إستغلال هذه الميزة في تعريف الناس بها والترويج السياحي لها؟هذا السؤال طرحته"حابي" علي الأثري"عادل حسين محمد"الذي يشغل منصب مدير عام أثار شرق الدلتا وعمل في السابق مدير عام أثار الشرقية
قال:القرية وإن كانت تشتهر بزراعة البردي فإن ذلك لا يكفي وحده كي يكون وسيلة جذب سياحي حتي وإن كان البردي أحد أهم مظاهر الحضارة الفرعونية ,ولابد من مكان أو موقع أثري يشد السائحين إليها,لو كان هذا متوفرا فيها لأحدث مع وجود البردي رواجا للقرية وجعلها حديث الناس
ولفت إلي وجود موقع واحد فقط به بعض الآثار تحت الأرض هناك وتعود للعصور ما بين العصر المتأخر والروماني,وعملت به احدي البعثات في السابق منذ فترة طويلة لكنه ليس علي قدر الأهمية والجذب الذي يجعل السائحين يأتون إليها خاصة أنه كما ذكرت سابقا أثاره تحت الأرض

تعليقات